قصيدة الجار لأبي محمّدٍ الحسن بن أحمد بن يعقوب الهَمْدانيّ

قبل ما يُرْبي على ألفٍ ومئةِ سنةٍ غَدَرَ أسعدُ بنُ أبي يُعْفِرَ الحِواليُّ الحِمْيريُّ بلسان اليَمَن أبي محمّدٍ الحسنِ بن أحمد الهَمْدانيّ، وسجنَهُ في صنعاء، إرضاءً لعَدُوِّ الهَمْدانيِّ وخَصْمِهِ أحمد بن يحيى الرَّسِّيِّ، الّذي كان يومئذٍ مُتَنَفِّذًا بصَعْدَة، فلم يُرْضِ ابنُ أبي يُعْفِر الرَّسِّيَّ ولم يَنَلْ مِنَ الهَمْدانيِّ، غيرَ أنّه آلَـمَهُ بغَدْرِهِ أيَّما أَلَـمٍ، ولم يرعَ فيه الجِوارَ ولا القُرْبى، ولا خَشِيَ عليه شَماتة الأعداء، ولا عَلِمَ عِظَم ما أتى ولا قُبْح ما فعل من قَطْعِ لسانِ اليَمانيَة استرضاءً لخصومِهِ مِنَ العدنانيّة؛  وقديمًا قيل:

وظُلْمُ ذَوي القُرْبى أَشَدُّ مَضاضَةٍ  على المَرْءِ مِنْ وَقْعِ الحُسامِ المُهَنَّدِ

غير أنّ السِّجْنَ والغَدْر لم يَفُتّا في عَضُد الهَمْدانيِّ ولم يَقْدَحا في ساقِهِ، بل صار سجنُهُ رِواقًا تَرْتَحِلُ منه القصائد والأشعار إلى قبائل اليَمَن ولا سيّما خولان، مُحَمَّلَةً أوقارَها بالتَّحريض وطلب الانتصار، مملوءةً بالحَماسة والفَخار، والاعتزاء بالآباء والأجداد من ملوك سَبَأٍ وحِـمْير، والإشادة بما كان لهم من مَمْضًى وسُؤْدُدٍ لا يرقى إليه الغُرَباء، ولا يُناطِحُهُ الدُّخلاء من بقايا الأحباش والفُرْس ومَن والاهم مِنَ العَدْنانيّة.

وفيما يأتي عرضٌ لبعض أشعار الهَمْدانيّ المُرْسَلَة، مِنَ السِّجْن وخارجه، إلى شرفاء اليَمَن وقبائلها، مادحًا وشاكرًا ومُسْتَنْجِدًا، حتّى نَهَضَ له من أهلها -ولا سيّما خولان وبعض آل يُعْفِر- مَنِ اسْتَنْقَذَهُ مِن خصومِهِ الرَّسِّيِّين ومَنْ آزَرَهم مِنَ الطَّبَريِّين وبَقايا الفُرْس الآخرين، فزالتِ الغُمَّة عَنِ الهَمْدانيِّ وفُكَّ قَيْدُهُ، وأُطْلقَ لِسانُهُ؛ وكانت تلك غَضْبَةً يمانيةً لرَجُلٍ عظيمٍ مِنْ رجالهم، وأيّ رَجُلٍ عظيم هو! فمَنْ يغضب اليومَ لشعبٍ بأسرِهِ، يرزح في سجنِهِ؛ فهل ثمّة زيدٌ كزيد بن أبي العبّاس الأَكيليّ الخولانيّ، أو حسّانُ كحسّانَ بنِ عثمان بن أحمد بن يُعْفِر الحِواليّ الحِمْيريّ، فما أشبَهَ اللّيلةَ بالبارحة، ويا له من نصرٍ لو كان له رجالٌ؟

 

الحسن بن أحمد الهَمْدانيّ
Education - This is a contributing Drupal Theme
Design by WeebPal.