عرّف البحثُ علمًا من أعلام الرّواة الفُصحاء الأوائل، وكشف سَماع العلماء منه، كالكسائيّ 189هـ، ونَقْلَهم عنه كأبي عمرٍو الشّيبانيّ 206ه، وتَقييدَهم لمَرْويّاته كابن السِّكِّيت 244ه؛ وبَرّز شاعرًا من أهل الغريب المُعتاص، فَشا غريبُهُ في معجمات العربيّة، وانتشرت فيها ألفاظُهُ ومرويّاتُهُ، هو أبو حزامٍ، غالب بن الحارث العُكليّ، المتوفَّى نحو 170ه، وسُعي في هذا البحث إلى تِبيان مكانتِهِ بين أهل عصرِهِ، من حيثُ اللُّغةُ والشِّعْرُ وحجمُ المرويّات عنه، فضلًا عن إبراز شرحٍ نفيسٍ نادرٍ، حَظيت به بعض قصائدِهِ في القرن الثّاني للهجرة، لعالمٍ جليلٍ من علماء العربيّة المتقدّمين، هو أبو محمّد الأُمويّ 203هـ.
وقد نَبَّهني على أمر أبي حزامٍ، وصَرَفني إليه، أنّني حاولت رفع الحِجاب عن رواة أبي عمرو الشّيبانيّ في كتابه الجيم، جمعًا وترجمةً، واستخراجَ مرويّاتٍ، ممّا خِلْتُهُ سهلًا، فلمّا وطئتُهُ -بعدما اجتمع لديّ من أسمائهم ما يُربي على المئة، ومن مرويّاتهم مكان المئة مِئين- أدركت أنّ مناوشة ذلك في بحثٍ محدود المجال، يعسرُ على المواثب فيه الصِّيال، صعبةٌ، ولذا اكتفيتُ منَ الغنيمة بأبي حزامٍ، فجمعت شعرَهُ وحقّقتُهُ، وذيّلتُ القصائد الّتي شرحها أبو محمّدٍ الأُمويّ، بشرحه النّفيس الّذي أماط به بعض ما في تلك القصائد من وَحْشَة الغريب، وقَرّبها إلى يدِ مُتناولها أيّما تقريب.
واشتمل البحثُ على مِهادٍ، تُكُلِّم فيه على رواية الشّعر واللُّغة وأهمّ أعلامهما، ثمّ أُردف بترجمة أبي حزامٍ العُكْليّ، تلاها الكلام على شعرِهِ وما انتهى إلينا منه، ثمّ بُسطت أشعارُهُ محقّقةً، وذُيّلت ثلاث قصائد، هي: الهَمْزيّة، والسّينيّة، والطّائيّة، بشرح أبي محمّد الأُمويّ بيتًا بيتًا، وهذا الشّرح هو ما هو سَبْقًا وعِتْقًا، ثمّ تلا الشّعرَ معجمُ أبي حزامٍ اللُّغويّ المُسْتَلُّ من شعرِهِ، وعقبه جاءت المرويّاتُ يقدمها تمهيدٌ، وهي ما سِيقت في كتاب الجيم لأبي عمرو الشّيبانيّ مع تصحيح ما وقف عليه في مطبوعه من أخطاء. وانتهى البحث بخاتمة موجزة، تلاها تخريج ما اجتمع من شعر أبي حزام، وبان في التّخريج كيف تشعّثت أشعارُهُ بعد اجتماع، إذ كان البيت الواحد يُتنازع في أكثر من مادّة من موادّ المعجم الواحد، فكان بما بُذل في هذا البحث من جَهْد وطاقة، اجتماع تلك الأشعار بعد طول اغترابٍ وفرقة.