مصطلحات العَروض والقافية والنقد في كتاب (العين)

مصطلحات

 العَروض والقافية والنَّقْد في كتاب (العين)

دراســـــــــــــــــــةٌ وتصنيفٌ وتوثيـــــــــــــــقٌ

 

اشتمل البحث على ما وُقف عليه في كتاب (العين) للخليل بن أحمد الفراهيديّ (175هـ)، من مصطلحاتٍ في العَروض والقافية والنَّقْد، سِيقت منثورةً بلا ضابطٍ يَنْظِم عِقْدها، وإنّما فَشَتْ في تضاعيف الكتاب، وانتشرت في موادِّهِ بحسب ترتيب جُذورها اللُّغَويّة، ومَداخلها المعجميّة؛ وكانت في العَروض أربعةً وعشرين مصطلحًا، واثني عشر في القافية، وأربعةً وعشرين في النَّقْد، على أنّ ثمّة مصطلحاتٍ أخرى انسلّت في تعريف ما تقدّم من دون أن تُقصد لذاتها، بل اجتُلبت مُتِمَّةً لغيرها لازمةً له.

وليس يخفى على أحدٍ من أهل العِلْم أو المشتغلين به، المَغامزُ الّتي حول (العين)، ولا يَقوى أحدٌ منهم على دَفْع سَحائب الشّك الّتي تَحومُ حول أقدم المعجمات كلِّها، ولا رَدِّ مَذامّ اضطراب مادّته، الّذي يتأبَّى معه القَبولُ بصِحّة نسبة (العين) صِرْفًا إلى الخليل، وهو صاحب البصيرة النّافذة والعقل المبدع المبتكر، المُنَزَّهِ عن كثيرٍ ممّا حُشر في هذا الكتاب منِ الزَّلّاتٍ والهَنات، والنُّقولات المتأخِّرات، ولاسيّما إذا عُلِم أنّ موادَّ لُغويّةً كثيرةً قد فَشَت في متن هذا المعجم عن رُواةٍ عاصرَ بعضُهم الخليلَ، وتراخت مَنايا بعضِهم بعدَه حتّى أَنْفَقَ أَمْثَلَ عمره في القرن الثّالث الهجريّ؛ نحو ابن الأعرابيّ، وأبي  أحمد، وأبي الدُّقيش، وأبي خَيْرة، وأبي سعيد، وأبي عبد الله، وأبي عُبيد، وأبي عُبيدة، وأبي علقمة، وأبي عمرو، وأبي ليلى، وحماس، ورافع، وزائدة، وشجاع، وعَرّام ، والقاسم، والقُتيبيّ، ومبتكر، ومُزاحم، وموسى؛ وهذه الجِلّة منَ الرُّواة -وإن تَخفّت وراء كُناها وأسمائها المفردة وألقابها- أعلامٌ نُبَهاء جدًّا، وبالقرن الثّالث كان أكثرهم([1]).

غير أنّ وِجْهة الكلام في هذا البحث، المستلَّة مادّتُهُ من (العين)، تتعلّق بالعَروض والقافية والنَّقْد، وتأصيل المصطلحات فيها من المادّة الموقوف عليها، ولا سيّما العَروض والقافية، وذاك علمٌ لا يُزاحِمُ الخليلَ فيه مُزاحمٌ، ولا يُدافعُهُ على تصدّرِهِ فيه عالمٌ، إذِ الإجماعُ تامٌّ على أنّ مَرَدَّ النّاس ومآبَهم إليه، وأنّهم على مُستخرَجاته واستنباطاته في هذا الفنّ عالةٌ.

صحيحٌ أنّ الخليل كان مُبْدِعًا فيما أُثر عنه من فنون، غيرَ أنّ شعرَهُ -بحسب قول أبي محمّد الحسن بن أحمد الهَمْدانيّ- كان ضعيفًا، وفي ذلك يقول الهَمْدانيّ: «... صاحب العَروض الّذي علّم به الصِّبيان قول الشِّعْر، ولكنّ شِعْرَهُ ضعيفٌ، لا نَفَسَ له؛ لأنّه كلامٌ مرتَّبٌ، وليس الشِّعرُ إلّا ما دَسَعَ بيتَهُ طَبْعٌ، فخرج البيتُ على كماله، مثلَ الرّميّة»([2]).

ويحسن قُبيل البدء ببَسْط مادّة هذا البحث التّعريجُ على نُتَفٍ من كلام علماء السَّلَف على الخليل، وسَبْقِهِ إلى علم العَروض والقافية، ونَهْلهم عنه؛ فهذا الأخفشُ يسألُ الخليل عن علّة تسمية بحور الشِّعْر كلّها، والخليل يُجيبُهُ بحرًا بحرًا حتّى استوفاها، وذلك قولُ الأخفش: «سألتُ الخليلَ، بعد أن عَمِلَ كتابَ العَروض: لِـمَ سمّيتَ الطّويل طويلًا؟ قال: لأنّه طالَ بتمام أجزائه. قلتُ ...: فالمُتَقارِب؟ قال: لتَقارُبِ أجزائه؛ لأنّها خُماسيّةٌ كلُّها يُشْبِهُ بعضُها بعضًا»([3]).

أمّا إشهارهم عُلُوَّ محلَّتِهِ ورُسُوخَ كعبِهِ في علوم العربيّة، والعَروض منها خاصّة، فنحو قولِ ابن سَلّام: «ثمّ كان الخليل بن أحمد ... فاستخرج فَنَّ العَروض، واستنبط منه ومن عِلَلِهِ ما لم يستخرجْهُ أحدٌ، ولم يسبقْهُ إلى مثلِهِ سابقٌ منَ العلماء كلِّهم»([4]). وقولِ ابن قُتيبة: «واتّفق العلماءُ على جلالته وفضائله، وتَقدُّمِهِ في علوم العربيّة من النّحو واللُّغة والتّصريف والعَروض، وهو السّابقُ إلى ذلك، المَرجوع فيه إليه»([5]). وقولِ ابن النَّديم: «وهو أوّلُ منِ استخرج العَروض، وحَصَّنَ به أشعار العرب ... وكان شاعرًا مُقِلًّا»([6]). وقولِ الذّهبيّ: «الخليلُ ... صاحبُ العربيّة، ومنشئُ عِلْم العَروض»([7]). وقولِ ابن خلّكان: «وهو الّذي استنبط علم العَروض وأخرجه إلى الوجود، وحَصَرَ أقسامه في خمس دوائرَ، يُستخرَجُ منها خمسةَ عشرَ بحرًا»([8]).

وكان الخليل على ارتزاقِهِ علومًا كثيرةً، وابتكارِهِ فنونًا غير قليلة، قليل الرِّزقِ زاهدًا في الدُّنيا؛ وفي زهدِه وتَكسّب النّاس بعلمه دونه يقولُ الزَّمخشريّ: «كان النّاسُ يكسبون الرَّغائب بعِلْم الخليل، وهو فيما بين أَخْصاص البصرة لا يَلتفتُ إلى الدُّنيا ولا يَطلبُها»([9]).

وثمّة أبحاثٌ سابقة لموضوع هذا البحث، منها اثنانِ متعلّقانِ بكتاب العين، أحدهما موضوعُهُ القافيةُ، وعنوانُهُ: (دروس القوافي في معجم كتاب العين)، وكانت مشتملاتُهُ ثمانيةَ مصطلحاتٍ، هي: الإكفاءُ والإيطاء والتّأسيس والتّضمين والخروج والرَّسّ والرَّويّ والسِّنادُ، وما انْتُزعَ من تعريفاتها؛ وقد ذكر مُنشئُهُ أنّ تلك المصطلحات إنّما: «جاءت عرضًا أشبه باستطرادٍ نشأ عن تفسير المادّة لُغويًّا، وكانت مقتضبةً دون تفصيل»([10]). وإلى مثله انتهى صاحب البحث الثّاني المتعلّق بمصطلح النَّحْو في كتاب العين، وعنوانُهُ: (على هامش المصطلح النَّحْوي في كتاب العين)، وهو بُحيثٌ صغيرُ الجِرْم، عَدَّ فيه صاحبُهُ ما وقف عليه من مصطلحات النَّحْو تمثيلًا: «لمرحلة من مراحل مخاض المصطلح النَّحْويّ وتكوّنه»([11]). وثمّة بحثٌ ثالثٌ لا يتعلّق بكتاب العين، وإنّما بكتاب سيبويهِ تلميذِ الخليل، وعنوانُهُ: (العَروض والقافية في كتاب سيبويه)، وعلى رغم البَذَخ الظّاهر في العنوان، والطّمع في مَظَنَّة ما يُدرك تحتَهُ من أَفْنان، يظهر للقارئ أنّ أمرَهُ وما اشتمل عليه، أهونُ من سابقَيْهِ.

 

([1]) انظر: أقوال الرُّواة والعلماء في معجم العين: 82، وما بعدها؛ ويُستدرك على ما جمع من الرّواة: شجاعٌ.

([2]) شرح القصيدة الدّامغة: 563.

([3]) العمدة: 1/ 136.

([4]) طبقات فحول الشُّعراء: 1/22، وفيه: «فاستخرج من العروض ...»، والمعنى غير متّجه.

([5]) تهذيب الأسماء واللُّغات: 1/178.

([6]) الفهرست: 1/65.

([7]) سير أعلام النُّبلاء:7/ 429.

([8]) وفيات الأعيان: 2/244.

([9]) ربيع الأبرار: 5/ 328.

([10]) دروس القوافي: 48.

([11]) على هامش المصطلح: 30.

الدكتور مقبل التام عامر الأحمدي
Education - This is a contributing Drupal Theme
Design by WeebPal.