أرجوزة الحجّ للرَّداعيّ، أحمد بن عيسى الرّداعي، من رجال القرن الثّالث

     هو أحمد بن عيسى الرّداعيّ، من خولان العالية، من شعراء العصر العبّاسيّ، عاش في القرن الهجريّ الثّالث كما يُفهم من كلام الهَمْدانيّ وهو يتعقّب هذه الأُرجوزة؛ كان يسكن برداع من أرض اليمن.

     ذكر له الهَمْدانيّ أُرجوزةً طويلةً تُسمّى أُرجوزة الحجّ، وصف بها طريق الحجّ من مسكنه برَداع إلى مكّة على محجّة صنعاء في أرض نجد العُليا؛ وهذه الأُرجوزة فَرْدَةٌ في فَنّها، وعدّتها نحو ستين ومئتَين وألف بيت، وقد كان له سواها شعرٌ بحسب ما ذكر الهَمْدانيّ، غير أنّه حُجِب عنّا في جملة ما حُجِب من تراث أمّتنا ونفائسها.

     وفي هذه الأرجوزة وصاحبها يقول الهَمْدانيّ مُذَيِّلًا بها كتابه صفة جزيرة العرب([1]): «ولا نعلمُ أَحَدًا وَصَفَ مِنْ جزيرة العرب مسافة أربعة وعشرين يومًا بشِعْرٍ طَبْعِيٍّ، ونَشَر بصفة الإبل والفَلَوات سوى أحمد بن عيسى الرّداعي، رحمه الله، من خَوْلان العالية، وكان يَسْكن برَداع مِن أرض اليمن، ومنها وصف البلاد إلى مَكّة على مَحَجَّة صنعاء في أرض نَجْد العُلْيا.

وقد سمعت لرِجُل مِنَ البَصريّين شيئًا في صفة طريق البصرة غيرَ مرتضًى بل ضعيفًا، وكان أبو يوسف ابن أبي فضالة الأَبْناوي جدّ أبي يوسف الّذي كان في زمن محمّد بن يُعْفِر قال في مَحَجّة صنعاء شعرًا أُرجوزة ضعيفة، فاهْتُجِرَتْ وأُذِيلت حتّى دَرَسَتْ، وفُقِدَ مَنْ يُنْشِدها غيرَ الأبيات الّتي لا قُوّة بِها ولا طَبْع.

     وكان كثيرٌ مِن أهل صنعاء ــــ لا سيّما الأَبْناء ـــــ قد غَيَّروا في قصيدة الرّداعي أشياءَ نَفاسَةً وحَسَدًا، فلم يكنْ بصنعاء لها نسخةٌ على الاسْتواء، فلم أَزَلْ أَلْتَمِسُ صِحَّتَها حتّى سمعتُها مِنَ أحمد بن محمّد بن عُبَيد، مِنْ بَنِي ليف من الفُرْس، وكان لا يَدخلُ في عصبيّة ولا يَلِتُ أَحدًا حقَّه، وكان آل ليف فرقتين: فرقة تسكن برَداع وفرقة بصنعاء؛ فقال لي: روانِيْها أحمد بن عيسى برَداع عشرةَ أبياتٍ، عشرة أبياتٍ حتّى حفظتُها، وأنا حَدَثٌ فلم تَزُلْ عنِّي.

     وهي على ما سمعتُ بجميع لُغاتِهِ إلاّ ما كان منها مَعِيبًا من جهة الاضْطِرار ولا فائدة فيه فقد ثَقَّفْتُهُ وأَصْلَحْتُهُ، وفَسَّرْتُ منها ما لم يَسْقُط إلى العامّة لُغَتُهُ، وهذه الأُرجوزةُ فَرْدَةٌ في فَنّها إلاّ أَنْ يَقْفُوَها قافٍ مجيدٌ وشاعرٌ مُفْلِقٌ، وقد كان له سواها شعرٌ لا بأس به».

وقد حافظت على عمل موللير كما صنعه إلّا ما كان من خطأ ظاهر وقع فيه، لأنّي لم أقف على مخطوطات الكتاب، ولم أطلب غير الّذي وقف عليه موللير، وصدّرت المتن بلُميحةٍ عن صاحب الأُرجوزة، راجيًا من فصلها وحدها عن كتاب صفة الجزيرة العرب الّذي اشتمل عليها، السّيرورة والفُشُوّ،  حتّى يقف عليها نُشّاد الشّعر وشُداته، واللهَ نسأل التّوفيق والسَّداد.

 


([1]) الصّفحة: 232.

الدكتور مقبل التام عامر الأحمدي
Education - This is a contributing Drupal Theme
Design by WeebPal.